التقشّف يطال البطاقات المصرفية فهل يُعزَل اللّبنانيون عن العالم؟
ساهمت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، وتراجع توفّر الدولار في الاسواق في تغيير نمط عيش الكثير من اللبنانيين، ودفعتهم إلى التخلّي عن الكثير من السلوكيات التي كانوا يتّبعونها في الماضي. بالإضافة إلى ما تقدّم، دفعت الضّوابط التي وضعها مصرف لبنان على السحوبات بالدولار والقيود التي فرضتها المصارف، الكثيرين إلى التخلّي عن بطاقاتهم المصرفية بحكم أنها أصبحت لزوم ما لا يلزم.
تراجع البطاقات المصرفية بالأرقام
أظهرت الأرقام الصّادرة عن مصرف لبنان تراجع عدد بطاقات الدفع بنسبة 5.69% أو بواقع 172.785 بطاقة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020، إلى 2.863.971 بطاقة، مقارنة بـ3.036.756 بطاقة في نهاية العام 2019.
كما أظهرت الإحصاءات تراجع عدد نقاط البيع الإلكترونيّة في لبنان بنسبة 10.28% خلال الأشهر العشرة الأولى من 2020 بما يوازي 34.030 نقطة بيع إلكترونيّة. في حين انكمشت شبكة الصرّافات الآليّة في لبنان لتضمّ 1.897 صرّافاً آليّاً، حتّى شهر تشرين الأوّل 2020، مقارنة بـ2.003 صرّافات آليّ مع نهاية 2019.
تراجع أو ارتفاع في الانفاق عبر البطاقات؟
يَطرح رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل لموقع “أحوال” بالأرقام واقع البطاقات المصرفية في لبنان، ويشير إلى أنّ توزيع بطاقات الدفع حسب نوعها يبيّن الآتي:
بين أيلول 2019 وأيلول 2020
- ارتفاع عدد بطاقات الدّفع الفوري (debit card)التي يحملها المقيمون بنسبة 8.7%
- ارتفاع عدد بطاقات الدّفع المُسبق (prepaid card) مع المقيمين بنسبة 6% ومع غير المقيمين تراجعت بنسبة 32.5%.
- تراجع عدد البطاقات الائتمانية (credit card) التي يحملها المقيمون بنسبة 28%، أما التي يحملها غير المقيمين فتراجعت بنسبة 30%.
- تراجع بطاقات الدّفع المؤجّل (charge card) مع المقيمين بنسبة 15% أما مع غير المقيمين فتراجعت بنسبة 25%.
وفيما يحاول غبريل تجميل الواقع بالاستناد الى النموّ في عدد بطاقات الدّفع الفوري، معتبراً أنها تعكس تزايد الطلب من المقيمين على هذه البطاقات خصوصاً في الفصل الرابع من 2019 والنصف الأول من 2020، وذلك لاستخدامها كوسيلة للدّفع أو للسّحب النقدي من الصرّاف الآليّ؛ إلّا أن الإحصاءات الصّادرة عن مصرف لبنان تُظهر بالمجمل تراجعاً في الإنفاق عبر البطاقات المصرفيّة وتحديداً بطاقات الائتمان. ويعزو غبريل السّبب الرئيسي لهذا الانخفاض إلى تخفيض المصارف سقف استخدام هذه البطاقات والتشدّد بإصدار بطاقات جديدة بسب الأزمة التي يعيشها لبنان.
لكنّ غبريل يرفض اعتبار نظرية العزوف عن استخدام البطاقات المصرفية أو حتى تراجع استخدامها، مؤكداً أن الأرقام تُظهر استمرارَ الإقبال على البطاقات المصرفيّة باستثناء الائتمانية منها.
أسباب التراجع
وتشير مصادر مالية لـ “أحوال” إلى أن الإنفاق المحليّ عبر البطاقات المصرفيّة انخفض بمعدل 35% منذ بداية العام الحالي، مشيرة إلى أن الأمر يعود إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى الأفراد، وتراجع إقبالهم على التسوّق وارتياد المطاعم نتيجة الأزمة الاقتصاديّة وجائحة كورونا.
وتؤكد المصادر أن الإنفاق المالي عبر نقاط البيع المنتشرة على الأراضي اللبنانية تراجعت قيمتها بالدّولار ما بين 50 و60%، مشيرة إلى أن جزءاً من الانخفاض في العمليات المالية عبر نقاط البيع يعود إلى أن 30% من هذه البطاقات كانت تُستخدم من قبل السيّاح في لبنان.
حجم التّراجع تخطّى 90%
من ناحيته، يشير الخبير الاقتصادي عماد عكّوش لـ”أحوال” إلى إلغاء معظم بطاقات الإئتمان أو على الأقل تجميدها، مع بداية الأزمة المصرفيّة وأزمة الودائع، بحجّة عدم وجود دولارات لدى المصارف وبحجّة الأزمة المصرفيّة وبفعل الكابيتال كونترول غير الشرعيّ الذي فرضته المصارف على المودعين؛ كلّها أدت إلى تراجع استخدام البطاقات المصرفية بكافة أشكالها وأنواعها لنحو 95%. ويلفت إلى أن المصارف لجأت إلى فرض إيداع دولارات طازجة (fresh money) للسّماح بتشغيل تلك البطاقات.
هذا بالنسبة للبطاقات القديمة، أما اليوم فيشير عكّوش إلى أن معظم البطاقات المُستخدمة هي عبارة عن بطاقات للسّحب النّقدي من الصّراف الآلي.
لبنان خارج السوق العالمية؟
التّراجع في العمليات المصرفيّة لم يقتصر على نقاط البيع، إذ شهد الدّفع عبر الإنترنت انخفاضاً واضحاً وصل إلى نحو 90% منذ بداية العام الجاري. وهنا، يشير عكّوش إلى أن إحدى تداعيات الاجراءات المصرفية المُتّخذة وتراجع استخدام هذه البطاقات هو خروج لبنان إلى حدّ ما من سوق التجارة الإلكترونيّة. كما أدّت إلى تضاعف الطلب على العملة النقديّة لعمليات البيع والشّراء، وبالتالي طباعة المزيد من الليرة من قبل مصرف لبنان ما أدّى إلى زيادة التضخّم. كل ذلك جعل، بحسب عكوش، المصارف تفقد وظيفتَها الأساسيّة التي كانت تمارسها قبل الأزمة كمؤسّسة ائتمانية لهذه البطاقات.
تراجع الإنفاق الخارجيّ
ما تحدّث عنه عكّوش يؤكده الخبير الاقتصاديّ حسن مقلّد لـ”أحوال” مشيراً إلى أن أزمة الدولار وفقدانه وانهيار العملة الوطنيّة أثّر على التسوّق عبر الانترنت (التي تحتاج بمعظم الأوقات إلى استخدام بطاقات الدّفع)، بحيث لم يعُد اللبناني باستطاعته تأمين الدولار.
أما من يستطيع تأمين المبالغ المطلوبة للتسوّق عبر الانترنت (مؤسسات أو أفراد) وتحويلها إلى الخارج لإتمام العمليّة، يشير مقلّد إلى أنه يقع أمام مشكلة “الإمكانات التقنية للنقل”، بمعنى أن البطاقة (بطاقة الإنترنت أو بطاقة الدّفع وغيرها من الوسائط) التي كان مثلاً حدود سقفها 12 ألف دولار صار سقفها 500 دولار وحتى أقلّ بكثير وهو ما يعدّ في الكثير من العمليات أقلّ من المطلوب.
وبالنتيجة، فإن مشكلة تأمين الدولار والاجراءات التي اتّخذتها المصارف لناحية منع تحويل الأموال إلى الخارج أو وضع سقوف دُنيا جداً للتحاويل، ضيّق الهوامش الموجودة وأدّى إلى رفع الأسعار ورفع الكلفة، وبالتالي تراجع المواطن عن عمليات الشراء والبيع ومنها استخدام البطاقات المصرفية لإتمام هذه العمليات ولا سيّما من الخارج يؤكّد مقلد.
القطاع المصرفي ضرورة لتحريك الاقتصاد
رغم حالة السّخط التي تنتاب الأوساطَ الشّعبية وبعض الاقتصاديين من تعاطي المصارف مع عملائها منذ ما قبل تحركات 17 تشرين الاحتجاجية، يؤكد الخبراء الاقتصاديون والماليون أن لا غنى عن هذا القطاع في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، ويشدّد هؤلاء على أن القطاع هو الأساس في عملية التجارة سواء الإلكترونية أو المحلية. وهنا يرى الخبراء ضرورة قيام المجلس النيابيّ بواجبه لناحية تقديم وإقرار تشريعات الّلازمة في هذا المجال لإعادة الثّقة بالقطاع المصرفي.
منال ابراهيم